سورة الصافات - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)}
الهمزة وإن خرجت إلى معنى التقرير فهي بمعنى الاستفهام في أصلها، فلذلك قيل: {فاستفتهم} أي استخبرهم {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} ولم يقل: فقرّرهم والضمير لمشركي مكة. قيل: نزلت في أبي الأشد بن كلدة، وكني بذلك لشدّة بطشه وقوّته {أَم مَّنْ خَلَقْنَا} يريد: ما ذكر من خلائقه: من الملائكة، والسموات والأرض، والمشارق، والكواكب، والشهب الثواقب، والشياطين المردة، وغلب أولي العقل على غيرهم، فقال: من خلقنا، والدليل عليه قوله بعد عدّ هذه الأشياء: {فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا} بالفاء المعقبة. وقوله: {أَم مَّنْ خَلَقْنَا} مطلقاً من غير تقييد بالبيان، اكتفاء ببيان ما تقدّمه، كأنه قال: خلقنا كذا وكذا من عجائب الخلق وبدائعه، فاستفتهم أهم أشدّ خلقاً أم الذي خلقناه من ذلك، ويقطع به قراءة من قرأ: {أم من عددنا} بالتخفيف والتشديد. و {أشدّ خلقاً}: يحتمل أقوى خلقاً من قولهم: شديد الخلق. وفي خلقه شدّة، وأصعب خلقاً وأشقّه، على معنى الردّ لإنكارهم البعث والنشأة الأخرى، وأنّ من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون. وخلقهم {مّن طِينٍ لاَّزِبٍ} إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة لأنّ ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوّة، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب، فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا: {أئذا كنا تراباً} [الرعد: 5]. وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث. وقيل: من خلقنا من الأمم الماضية، وليس هذا القول بملائم. وقرئ: {لازب} و {لاتب}، والمعنى واحد، والثاقب: الشديد الإضاءة.


{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)}
{بل عجبت} من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة (و) هم {يسخرون} منك ومن تعجبك وما تريهم من آثار قدرة الله، أو من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث وقرئ: بضم التاء، أي: بلغ من عظم آياتي وكثرة خلائقي أني عجبت منها، فكيف بعبادي وهؤلاء بجهلهم وعنادهم يسخرون من آياتي أو عجبت من أن ينكروا البعث ممن هذه أفعاله، وهم يسخرون ممن يصف الله بالقدرة عليه.
فإن قلت: كيف يجوز العجب على الله تعالى، وإنما هو روعة تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء، والله تعالى لا يجوز عليه الروعة؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يجرد العجب لمعنى الاستعظام، والثاني: أن يتخيل العجب ويفرض. وقد جاء في الحديث: «عجب ربكم من ألكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم» وكان شريح يقرأ بالفتح ويقول: إنّ الله لا يعجب من شيء، وإنما يعجب من لا يعلم، فقال إبراهيم النخعي: إنّ شريحاً كان يعجبه علمه وعبد الله أعلم، يريد عبد الله بن مسعود، وكان يقرأ بالضم. وقيل: معناه: قل يا محمد بل عجبت. {وَإِذَا ذُكّرُواْ} ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به {وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً} من آيات الله البينة كانشقاق القمر ونحوه {يَسْتَسْخِرُونَ} يبالغون في السخرية، أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها.


{وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)}
{أَوَ ءابَاؤُنَا} معطوف على محل {إِن} واسمها. أو على الضمير في مبعوثون، والذي جوّز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام. والمعنى: أيبعث أيضاً آباؤنا على زيادة الاستبعاد، يعنون أنهم أقدم، فبعثهم أبعد وأبطل. وقرئ: {أو آباؤنا} {قُلْ نَعَمْ} وقرئ: {نعم} بكسر العين وهما لغتان. وقرئ: {قال نعم} أي: الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم. والمعنى: نعم تبعثون {وَأَنتُمْ داخرون} صاغرون {فَإِنَّمَا} جواب شرط مقدّر تقديره: إذا كان ذلك فما {هِىَ} إلا {زَجْرَةٌ واحدة} وهي لا ترجع إلى شيء، إنما هي مبهمة موضحها خبرها. ويجوز: فإنما البعثة زجرة واحدة وهي النفخة الثانية. والزجرة: الصيحة، من قولك: زجر الراعي الإبل أو الغنم: إذا صاح عليها فريعت لصوته. ومنه قوله:
زَجْرَ أَبِي عُرْوَةَ السِّبَاعَ إذَا *** أَشْفَقَ أَنْ يَخْتَلِطْنَ بِالغَنَمِ
يريد تصويته بها {فَإِذَا هُم} أحياء بصراء {يُنظَرُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8